يُعد سوق الصرف الأجنبي واحداً من أكثر الأسواق نشاطًا وسيولةً على مستوى العالم، حيث يتم فيه تداول تريليونات الدولارات يوميًا بين العملات المختلفة. وبرغم أنه يوفر عديد من فرص التداول، إلا أنه ينطوي أيضًا على أنواع مختلفة من المخاطر التي تتطلب خطة حكيمة لإدارتها بشكل آمن. سنتعرّف في هذه المقالة على مفهوم مخاطر تداول الفوركس، ونستعرض أبرز المخاطر التي قد يواجهها المتداول، مثل مخاطر الرافعة المالية ومخاطر تقلبات الأسعار، وغيرها، وأخيرًا، سنستعرض خطوات عملية لإدارة تلك المخاطر بفعالية.
ما هي إدارة المخاطر في التداول؟
إدارة مخاطر تداول الفوركس هي في جوهرها عملية تحديد للجوانب السلبية المحتملة واتخاذ الإجراءات الضرورية للتخفيف من الخسائر أثناء التداول. تنطوي هذه العملية المركبة على استراتيجيات متعددة، وتستخدم أدوات مختلفة لإدارة المخاطر بهدف الحد من تأثير تحركات السوق على محفظة المتداول. الهدف الرئيسي هو حماية رأس مالك وضمان تحقيق النجاح الذي تصبو إليه في عالم التداول على المدى الطويل.
بعد أن تعرفنا على المفهوم الأساسي لإدارة المخاطر، دعنا الآن نُلقي نظرة أقرب على نوعية المخاطر التي قد يواجهها متداول الفوركس تحديدًا.
ما هي المخاطر الرئيسية التي يواجهها متداول الفوركس؟
يتطلب تطوير خطة ناجحة لإدارة مخاطر تداول الفوركس فهمًا كاملاً للمخاطر المحتملة التي قد تنشأ أثناء رحلة التداول.
- مخاطر الرافعة المالية:
تسمح الرافعة المالية للمتداولين بالتحكم في مراكز كبيرة الحجم في السوق مقابل توظيف مبلغ صغير نسبيًا من رأس المال، وهو ما يُضاعف فرص الربح المحتملة، لكنه يمكن أن يزيد الخسائر أيضاً. الخطر الرئيسي يكمن فى أن الخسائر يمكن أن تتجاوز بسرعة الهامش الأولي، وفي هذه الحالة سيواجه المتداول نداء الهامش، الذي يتطلب إيداع أموال إضافية لتغطية الخسائر أو تصفية مراكزه المفتوحة.
- مخاطر التقلبات:
تشير مخاطر التقلبات إلى احتمال حدوث تذبذبات مفاجئة وسريعة في أسعار صرف العملات. يقيس هذا المعامل نطاق وسرعة تغير سعر صرف زوج العملات خلال فترة زمنية معينة. تتغير الأسعار بسبب عوامل مختلفة مثل الأخبار الاقتصادية، والأحداث السياسية، ومعنويات السوق، والكوارث الطبيعية.
لكن تختلف وتيرة تقلب السوق عمومًا من زوج عملات إلى آخر. تشتهر بعض أزواج العملات بتقلباتها الحادة، بينما أزواج أخرى أكثر استقرارًا. لذلك، من الضروري معرفة أزواج العملات الأكثر تقلبًا لتجنب مخاطر التحركات والتقلبات غير المتوقعة.
- مخاطر السيولة:
يُصنّف زوج العملات على أنه مرتفع السيولة عندما يسهُل شراؤه أو بيعه دون أن يتسبب ذلك في تغير كبير في أسعار السوق، وكذلك عندما ينخرط عدد كبير من المشترين والبائعين النشطين في تداوله.
تنشأ مخاطر السيولة عندما يقل عدد المشاركين الذين يتداولون زوج عملات معين، مما يجعله أقل سيولة. يحدث هذا عادةً خلال أوقات معينة من اليوم، مثل وقت متأخر من الليل، أو في عطلات السوق، أو مع أزواج العملات الأقل شهرة.
قد يؤدي انخفاض السيولة إلى انزلاق سعر الصرف، وهو مصطلح يعني أن أمر التداول الذي وضعته قد لا يُنفذ بالسعر المطلوب نتيجةً لنقص المشترين عند هذا المستوى، مما يؤدي إلى تنفيذه بسعر غير مناسب.
- مخاطر أسعار الفائدة:
تشير مخاطر أسعار الفائدة في تداول الفوركس إلى احتمال انخفاض قيمة زوج العملات بسبب تغيرات مفاجئة في أسعار الفائدة التي تحددها البنوك المركزية. تُعد أسعار الفائدة أحد المحركات الرئيسية لأسعار الصرف، حيث يمكن أن تؤثر بشكل كبير على جاذبية العملة للمستثمرين الأجانب.
- عندما يرفع البنك المركزي لبلدٍ ما أسعار الفائدة، فإن ذلك عادة ما يجذب المستثمرين الأجانب الباحثين عن عوائد أعلى، مما يؤدي إلى زيادة الطلب وتقوية العملة.
- وعلى العكس، إذا خفّض بلد ما أسعار الفائدة، فإن العملة تصبح أقل جاذبية للمستثمرين، وهو ما يُقلل من الطلب عليها ويؤدي بالتبعية إلى تراجعها.
دعنا نستعرض زوج العملات USD/JPY (الدولار الأمريكي / الين الياباني) كمثال.
إذا رفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الفائدة بشكل غير متوقع، في حين أبقى بنك اليابان على أسعار الفائدة على الين عند مستويات منخفضة، قد يلجأ عديد من المستثمرين إلى تحويل رؤوس أموالهم إلى الدولار الأمريكي للاستفادة من العوائد المرتفعة. سيؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى زيادة الطلب على الدولار وتقوية سعر صرف USD/JPY، مما يدفع الزوج إلى الأعلى.
في السيناريو المعاكس، إذا خفّض الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل غير متوقع، فإن الدولار سيتراجع، ومن ثم ينخفض زوج USD/JPY.
- المخاطر الجيوسياسية:
يمكن أن تؤدي الأحداث الجيوسياسية إلى تقلبات في أسواق العملات لأن المتداولين يتفاعلون مع زيادة المخاطر وعدم اليقين. تؤثر المخاطر الجيوسياسية وحالة عدم اليقين على قيمة أزواج العملات وسوق الصرف الأجنبي بشكل عام. لذا، يجب على متداولي الفوركس مراقبة الأحداث الجيوسياسية عن كثب وتقييم تأثيرها المحتمل.
على سبيل المثال، يتزايد سلوك “اللجوء إلى الأمان” في أوساط المستثمرين خلال فترات التوترات الجيوسياسية، مما يؤدي إلى ضعف عملات الدول المعنية بسبب حالة عدم اليقين، بينما تقوى عملات الملاذ الآمن مثل الدولار الأمريكي أو الفرنك السويسري.
- مخاطر البيانات الاقتصادية:
تشير مخاطر البيانات الاقتصادية إلى ارتفاع التقلبات المصاحبة لزوج العملات بسبب صدور مؤشر اقتصادي مهم. يمكن أن تؤثر البيانات الجوهرية مثل نمو الناتج المحلي الإجمالي، تقارير التوظيف، معدلات التضخم، أو تقارير البنوك المركزية، على معنويات المستثمرين، وهو ما قد يُحفز تقلبات حادة في السوق.
تنشأ تلك المخاطر تحديدًا عندما تختلف البيانات الاقتصادية الفعلية بشكل كبير عن توقعات السوق، وهو ما ينعكس في تفاعل زوج العملات معها بشكل فوري. يجب على المتداولين مراقبة المؤشرات الاقتصادية الرئيسية والإعلانات المجدولة حتى يكونوا مستعدين للتقلبات المحتملة.

على سبيل المثال، زوج اليورو مقابل الدولار الأمريكى EUR/USD، إذا أظهر تقرير التوظيف خارج القطاع الزراعي (NFP) في الولايات المتحدة نموًا أقوى في الوظائف مما كان متوقعًا، فهذا يُعتبر إشارة إيجابية على قوة الاقتصاد الأمريكي.
قد تؤدي قوة الاقتصاد الأمريكي إلى زيادة فرص قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، مما سيقوي الدولار الأمريكي، ويتسبب في تحفيز اتجاه هابط لزوج EUR/USD.
من ناحية أخرى، إذا جاءت أرقام تقرير الوظائف غير الزراعية أضعف من المتوقع، فقد يؤثر ذلك سلبًا على الدولار الأمريكي، وبالتالي سيرتفع زوج EUR/USD.
- المخاطر السيكولوجية:
تشير المخاطر السيكولوجية إلى التأثير النفسى والانحيازات العقلية على اتخاذ القرار لدى المتداول، مما قد يؤدي إلى نتائج سلبية لصفقات التداول. يدفع التداول النفسى المتداول عادةً إلى الانحراف عن استراتيجية التداول الحالية، وإهمال إدارة المخاطر بشكل صحيح، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى تكبد خسائر غير ضرورية. بشكل عام، يمكن أن تؤدي الدوافع النفسية مثل الخوف، والجشع، والثقة الزائدة، والانحيازات المعرفية إلى اتخاذ قرارات تداول غير عقلانية.
الآن بعد أن استكشفت المخاطر المحتملة التي قد تواجهها خلال رحلة التداول، حان الوقت لإلقاء نظرة على الخطوات التي يمكنك اتخاذها لإدارة تلك المخاطر بفعالية.
4 خطوات بسيطة لإدارة المخاطر بكفاءة أثناء التداول:
تتطلب الإدارة الحكيمة للمخاطر مراعاة عدة عناصر رئيسية لضمان النجاح على المدى الطويل واتخاذ قرارات تداول مدروسة.
القدرة على تحمل المخاطر:
يشير مفهوم تحمل المخاطر أو شهية المخاطرة إلى مدى تقبلك لفكرة خسارة المال على المدى القصير لتحقيق عائد أعلى من استثمارك على المدى الطويل. بعبارة أخرى، تحملك للمخاطر هو استعدادك لقبول الخسائر قصيرة الأجل، بهدف تحقيق مكاسب أكبر على المدى الطويل. وعلى أي حال، يعتبر تحديد مستوى تحملك للمخاطر خطوة أساسية لإدارة المخاطر بكفاءة.
يعاني عديد من المتداولين من صعوبة تحديد مستوى تحملهم للمخاطر عند تداول الفوركس. القاعدة العامة هي المخاطرة بنسبة تتراوح بين 1% و5% من رصيد حسابك في كل صفقة. وحتى نسبة 5% قد تنطوي على مجازفة إذا واجهت خسائر أو تحرك السوق ضدك. لذلك، من الضروري مراقبة هذه النسبة باستمرار بناءً على مراكزك المفتوحة وأداء صفقاتك.
تحديد حجم المركز:
تحديد حجم المركز هو عملية تحديد كمية العملة التي ستشتريها أو ستبيعها في الصفقة. يرتبط هذا الأمر ارتباطًا وثيقًا بتحملك للمخاطر، ولا يمكن فصله عنه، حيث يتحدد حجم المركز في نهاية المطاف بناءً على نسبة رأس المال التي ترغب في المخاطرة بها في كل صفقة. يمكن أن يساعد التحديد المناسب لحجم المركز في التقليل من الخسائر المحتملة من خلال التحكم في رأس المال المُعرّض للمخاطرة في الصفقة الواحدة.
على سبيل المثال، إذا كنت تتداول على زوج EUR/USD، وكان حجم الحساب 10,000 دولار، ونسبة المخاطرة لكل صفقة 2%، وقيمة النقطة 10 دولارات لكل لوت قياسي. وإيقاف الخسارة على بُعد 50 نقطة.
لحساب حجم المركز باللوتات، تحتاج إلى قسمة قيمة المخاطرة لكل صفقة (200) على عدد نقاط إيقاف الخسارة مضروبًا في قيمة النقطة لكل لوت. حجم المركز = 200 / (50 × 10) = 0.4 لوت.
يجب أن يكون حجم المركز 0.4 لوت، وهو ما يعني أنك لا تخاطر بأكثر من 200 دولار في هذه الصفقة.
أمر إيقاف الخسارة:
أمر إيقاف الخسارة هو أمر خروج تلقائي للحد من الخسائر المحتملة عن طريق إغلاق الصفقة بمجرد أن يصل السعر إلى مستوى محدد مسبقًا. يتم تحديد مستوى إيقاف الخسارة بناءً على حجم المركز ونسبة المخاطرة في الصفقة.
يجب أن يكون تحديد مستوى إيقاف الخسارة مرتبطًا بالعائد الذي تسعى إلى تحقيقه. على سبيل المثال، لنفترض أنك تتوقع العائد من صفقة معينة بقيمة 300 نقطة، وإيقاف الخسارة هو 100 نقطة. فهذا يعني أن نسبة المخاطرة إلى العائد معقولة مع حماية جيدة من الخسائر المحتملة. إذا خسرت ثلاث صفقات متتالية، يمكنك تعويضها فقط من خلال صفقة واحدة رابحة بـ 300 نقطة.
أمر جني الأرباح:
أمر جني الأرباح هو أمر تلقائي يحمي مكاسبك عن طريق إغلاق الصفقة بمجرد الوصول إلى مستوى الربح المحدد مسبقًا. الهدف الأساسي من هذا الأمر هو تأمين الأرباح قبل حدوث انعكاس في اتجاه السوق.
على سبيل المثال، إذا قمت بشراء زوج EUR/USD عند 1.1600 ووضعت أمر جني الأرباح عند 1.1650. بمجرد أن يصل السعر إلى هذا المستوى، سيتم تفعيل أمر جني الأرباح وتُغلق الصفقة.
يُعد أمر جني الأرباح بالغ الأهمية لإدارة المخاطر، إذ يؤمن أرباحك قبل أي انعكاسات محتملة في السوق، ويُقلل من مخاطر التداول النفسى ويمنعك من الاحتفاظ بالصفقة لفترة طويلة على أمل تحقيق مكاسب أكبر، كما يُعزز كفاءة إدارة الوقت لأنك تستطيع مراقبة عدة صفقات في وقت واحد.
الخلاصة:
تُعد إدارة المخاطر عنصرًا أساسيًا للنجاح على المدى الطويل في تداول الفوركس. فبرغم وجود عديد من الفرص التي يمكنك اقتناصها في السوق، إلا أن هناك أيضًا مخاطر جسيمة ينبغي الانتباه إليها، لذلك يجب استخدام الأدوات والاستراتيجيات المناسبة لحماية رأس المال.
في هذا السياق، يساعدك فهم واستخدام أدوات إدارة المخاطر، وضبط أوامر إيقاف الخسارة، وتحديد حجم الصفقة بناءً على نسبة المخاطرة، والوعي بالقيود النفسية والعاطفية المرتبطة بشخصيتك، في التداول بدرجة أفضل من الثقة والانضباط.
لا يمكن تجاهل المخاطر أو التخلص منها، ولكن يمكن السيطرة عليها. يتطلب ذلك تطوير خطة مناسبة وإدارة متسقة للمخاطر، بحيث يمكنك البقاء في السوق وتحقيق النجاح في تداولاتك على المدى الطويل.